المعاملات
سأل الشيخ محمد الفيلالي:
ما هي شريعة المسيح عيسى؟ لأننا نجد في القرآن “فَاتَّقُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُونِ” (آل عمران 3: 50 والزخرف 43: 63) فما هي الوصايا التي يجب
أتِّباعها؟؟
أجاب ناجي فياض:
لخص يسوع وصاياه وأوامره في آية واحدة عندما قال:
“وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً.
كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً”
(يو13: 34).
قال الشيخ أحمد البعمراني:
إنها وصية بالغة الأهمية، إذ كيف تجاسر المسيح وشرَّع تشريعاً جديداً، لم
يطلب منهم أن يحبوا بعضهم بعضاً فحسب بل جعل محبته الخاصة مقياساً لشريعته
الجديدة، ويمكن القول وبإيجاز ان عيسى هوشريعة العهد الجديد كما أن محمداً من
خلال سنّته النبوية أتم شريعة الإسلام.
أضاف التاجر البشير الدمشقي:
هناك فرق كبير بين الشخصيتين، فعيسى أمر بتنفيذ محبته العظيمة كما عاشها
وقدمها للجمع، بينما محمد أمر بالجهاد والقتال وسفك الدماء. لم يقصد المسيح
إنشاء حكم دنيوي بل سعى إلى إنشاء مملكة روحية، بالمقابل رغب محمد في تنفيذ
حكم الله على الأرض بكل ما أوتي من قوة.
سأل الشيخ متولي صابر:
ماهو موقف عيسى من القتال والجهاد ؟؟ لقد قرأت في الإنجيل بأن عيسى دعى
أنصاره لتأسيس ملكوت الله على الأرض إلى الأبد.
أجاب القس فادي عبد المسيح:
قال يسوع أثناء محاكمته أمام الوالي الروماني بيلاطس:
“أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ
مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ
أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ
لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي
مِنْ هُنَا. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟ أَجَابَ
يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا،
وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ
هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي”
(يو 18 :36-37).
قال الشيخ أحمد البعمراني:
رفض عيسى تنفيذ مخطّطه بالوسائل السياسة، لأنه أراد أن يربّي الإنسان على
الصدق والحق، ففضّل الجهاد الروحي مستغنيا عن الأسلحة ومستعينا بالحق.
سأل الشيخ عبد الله السفياني:
ما هوالحق؟ في أيامنا نجد طرقاً متعددة وكل واحدة منها تدعي بأنها تمثل
الطريق الأفضل.
أجاب ناجي فياض:
تمعن في كلام يسوع، اختبر أقواله فتكتشف بنفسك الطريق الذي سيوصلك إلى السلام
العام والشامل.
“سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا
أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ.
أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ
إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي
فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ
وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ”
(متى 5: 43-45).
قام الشيخ عبد السميع الوهراني من مكانه متهجما وقال:
إذا أحببنا أعداءنا وسامحناهم باستمرار لعاملونا بما يحلو لهم، ظانين هذه
المحبة خوفاً وضعفاً، فتكون بداية النهاية. لذلك أرى من الواجب علينا أن
نكافح ونقاتل من أجل حقوقنا ونقاصص كل ظالم سوّلت له نفسه التعدي علينا.
سأل الشيخ متولي صابر:
كيف يمكنني أن أحب جاري الذي يخطئ بحقي وبحق زوجتي وأولادي باستمرار؟ إذا
جازيته بالمثل لرد الصاع صاعين ولبدأت بيننا سلسلة ردود الفعل السيئة.
أجاب القس فادي عبد المسيح:
إن كل من يريد أن يسامح مثلما يسامحنا الله، عليه أن يفتح قلبه للمحبة
الإلهية. ألم يرد في القرآن أن اتِّباع الشرع ومسامحة الآخرين هوالطريق
الأفضل، فيحق لنا نحن النصارى أن نسامح أعداءنا لأن الله قد غفر لنا جميع
خطايانا بواسطة كفارة يسوع المسيح؟ لم يغفر خطايانا فقط بل خطايا كل الناس
حتى آثام أعدائنا. فلأجل كفارة يسوع يحق لنا أن نغفر للجميع كل ما يصدر عنهم.
قاطعه الشيخ عبد السميع الوهراني فقال:
كلام رَنَّان لكنه غير واقعي. لماذا نجد في بعض الدول قتالاً وحروباً بين
المسيحيين والمسلمين، إذ رفضوا منحهم فرص عمل أو أمكنة للسكن. أنا لا أجد عند
أتباع عيسى محبة تجاه خصومهم، وكل ما قلته من قبل هو عبارة عن حبر على ورق
ليس إلا.
أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
على رسلك، لقد أرسل نبينا محمد أكثر من 60 صحابياً مضطهدين من قبل قريش إلى
ملك الحبشة ليطلبوا الحماية واللُّجوء لدى النصارى، لأنه علم مسبقا أن أتباع
عيسى رحماء يحبون أعداءهم ولن يستعبدوهم حيث نقرأ في القرآن:
“...وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ
قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا
وَأَنَّهُمْ لاَ
يَسْتَكْبِرُونَ”
(المائدة 5: 82).
فلا ينبغي أن نتخذ سوء تصرف بعض المسيحيين كقاعدة عامة أو مقياساً نطبقه على
الجميع . كثيرون منهم يتصفون بأمور نفتقدها ونحن في أمَسِّ الحاجة إليها.
يقول القرآن:
“ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنجيل وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً
وَرَحْمَةً”
(الحديد 57: 27).
تنهد الشيخ محمد الفيلالي وقال:
كم ستكون حياتنا جميلة لوأحب الناس بعضهم بعضا وسامحوا بعضهم بعضاً حتى يعم
السلام كل البلدان والقبائل. إن العالم كله يتوق إلى ذلك الشخص الذي يأتي
بقانون الروح، وينشر السلام على الأرض، عوض الحرب والدمار، ويحول البغض
والكراهية إلى الحب والمودة.
تدخل رياض العلمي لتوضيح الفكرة:
إن الشريعة، بل كل الشرائع، قاصرة عن تغيير الإنسان، فإما أن تهديه أو تجزيه
على عمله. بينما نحتاج إلى شريعة تجدد الذهن والفكر والروح. لقد رأينا أن
شريعة المسيح لم تركز على القصاص والعقاب، بقدر ما اهتمت بمعرفة الأفكار
والمقاصد والدوافع في دواخل الفرد، حتى تقهر وتحطم النوايا السيّئة وتطرحها
جانباً.
قال القس فادي عبد المسيح:
أحسنت القول، لقد أدركت سراً مهماً وعميقاً،
فيسوع
لم يقصد إصلاح الشر بواسطة قوانين صارمة وزجرية، أو عن طريق الخوف والوعيد
والترهيب ، بل ركز على تجديد الأذهان والأفكار،
إذ قال:
“قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا
فَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ
لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي
قَلْبِهِ”
(متى 5: 27، 28).
إن قول يسوع هذا ينفذ إلى صميم القلب كالسّيف الحاد، لقد جعل من الجميع خطاة
فلا أحد صالح أوطاهر، وشريعة المسيح تقودنا إلى التوبة والندامة والاستغفار
والتضرع إلى الله.
تابع ناجي فياض قوله:
أوضح يسوع أن كل من يقول لأخيه “يا أحمق” أو أي قول غير محترم فقد استوجب نار
جهنم، وكل من يحقد على أحد فهو في نظره قد ارتكب ذنباً عظيماً.
“قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ
يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ
كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ،
وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ
يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ” (متى
5: 21، 22).
قال الشيخ محمد الفيلالي:
إن شريعة المسيح عيسى تنفذ إلى القلوب حتى تنخس أصحابها وتدينهم على أعمالهم
غير الصالحة، فلا يبقى أحد باراً بل الجميع أشرار. أمّا سؤالي فهو: ما هو هدف
هذه الشريعة؟ وأين تنتهي؟
أجاب القس فادي عبد المسيح:
شريعة يسوع تماثل شريعة الله، فليست سيرته هي المقياس لسلوكنا وحسب، بل الله
ذاته هومقياس شريعتنا تصديقاً لقول ابن مريم:
“فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي
السَّمَاوَاتِ هُوَ
كَامِلٌ”
(متى 5: 48).
يسوع يطلب منا أن لا نقيس أنفسنا على بعضنا البعض، بل أن نتخذ من القدير
مقياساً لفضائلنا،فمحبته وقداسته هما أساس الحكم في يوم الدينونة.
قال الشيخ عبد السميع الوهراني:
أعوذ بالله من غضب الله، إن الله كبير (الله أكبر) فمن هو هذا الإنسان ؟–أليس
بفان ومؤقّت–
حتى يقارن نفسه بالله الأزلي الأبدي؟ كما أنه لا يحق للنجس أن يقترب من
القدوس الطاهر، ولا الضعيف من القوي الجبار. فلو جاز للمتعالي أن
يقيس فكره بأفكارنا لكانت
نتائجنا صفراً على صفر.
قال ناجي فياض:
الله يحبنا كثيراً ويريد منا أن نحب كما أحبنا، ونرحم كما هو رحيم. فأبونا
السماوي يريد أن يرفعنا إلى مستواه ويجعل من الخطاة أنقياء وأحباء حسب الروح،
كي تظهر من خلال سلوكهم ملامح وصفات أبيهم الروحي.
ردّ رياض العلمي:
لواتخذنا من الكامل مقياساً لنا لاكتشفنا أننا دون المستوى المطلوب وفاسدين،
عندئذ ستظهر أمامنا خطايانا بشكل جلي وواضح. فما هوالحل يا ترى الذي أوجده
عيسى كي ينتشلنا من هذا اليأس المميت؟ أعلم أن المسيح لم يأت ليهلكنا بل
لينقذنا وينجينا من الموت.
|