تطويبات المسيح
أجاب القس فادي عبد المسيح:
كل من يقرأ الإنجيل يجد فقرات فريدة من نوعها، تفوق نطاق بحثنا لهذا اليوم.
لكن أقترح عليكم التعمق بشكل أكثر في تطويبات يسوع لأنها من مميزات الوحي
الالهي، كما تعتبر من الكلمات التي افتتح بها يسوع شريعته، إذ بواسطتها قدم
رسالة مشجعة ومعزية للجميع، فنجد فيها برنامجا لخلاص العالم كله بشكل منظم
وواضح.
قرأ الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
“وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ
تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ. فَعَلَّمَهُمْ قَائِلاً: طُوبَى
لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى
لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ
يَرِثُونَ الأَرْضَ. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ،
لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ”
(متى 5: 1-6).
قال التاجر البشير الدمشقي:
نشكر الله كثيرا لأن عيسى لم يُطَوِّب الأغنياء والأذكياء والأقوياء
والوجهاء، بل اقتصر على الفقراء والمزدرين والضعفاء الذين أشركهم في
تطويباته.
أجاب ناجي فياض:
اسمح لي أن أخبرك بأن يسوع لم يقصد الفقراء والمزدرى بهم فحسب بل قصد
التائبين من كل الطبقات العليا أو الدنيا، الذين أدركوا بواسطة حلول الروح
القدس فيهم
أنهم خطاة،
فانكسرت أنفسهم ونخستهم قلوبهم وبدأ روح الله العامل والفاعل فيهم يوبخ
نفوسهم. فهؤلاء الأتقياء المتواضعين الذين وضعوا أنفسهم تحت قداسة الله هم
المميزون.
سأل الشيخ محمد الفيلالي:
ماذا تعني عبارة أن ملكوت الله خاص بالتائبين والمساكين بالروح؟؟
أجاب القس فادي عبد المسيح:
لا يستطيع أي إنسان أن يتقدم إلى الله كما هو. الجميع محتاج إلى الانكسار
والتوبة والاعتراف بخطاياه والندم عليها، حتى يستطيع نيل الغفران والتبرير،
كل من يقبل عمل الله على الصليب ينال الغفران، ويدخل روح الله إلى قلبه
التائب ليصبح عضوا في ملكوت الله الروحي ويعيش في ملء نوره البهي. فلا حياة
بدون توبة ولا حياة بدون طاعة الله التي تعتبر مفتاح ملكوت السماوات.
تدخل الشيخ عبد السميع الوهراني:
كيف كان عيسى يطوب الحزانى؟ عندما تفقد المرأة زوجها أو ابنها تكون في قِمَّة
الحزن، ومن الصعب على الإنسان أن يحدثها عن السَّعادة أو الابتهاج، وكما يقول
المثل “الذي يده في النار ليس كالذي يده في الماء”.
أجاب ناجي فياض:
لم يتكلم يسوع في هذه الآية عن حزن العائلات أو حزن الشعوب المقهورة، بل قصد
حزن التائب على خطاياه، إذ وعده بالتبرير والتقديس وبتعزية روحية أبدية.
أمّا يسوع المسيح فإنه يقوي عزيمة اليائسين في مواجهتهم للموت، والحزانى في
المصائب التي ألمت بهم، إذ يقدم لهم روح المعزي النازل من الله، الذي يغلب كل
حزن مهما تكن قوته ومرارته، فروح المعزي هي الحياة الأبدية التي لن تضمحل
مهما استغرقت من وقت، وكل من يقبل روح يسوع ينل تعزية وفرح في كل أمور حياته،
ولن يعرف اليأس أو الاضطراب في ما بعد، لأن المسيح هوأملنا وفرحنا.
لاحظ الشيخ عبد الله السفياني:
لماذا يطوب عيسى الودعاء ويعدهم بإرث الأرض، مع أن الواقع عكس هذا تماماً، إذ
نجد الأقوياء والجبابرة وفاحشي الثراء هم الذين يربحون ويرثون الأرض، أمّا
غيرهم من الودعاء واللطفاء فيبقون خارج اللعبة، أي في الهامش، مُهْمَلين غير
فاعلين لأن لا حول لهم ولا قوة.
أجاب القس فادي عبد المسيح:
أصبت إلى حد ما، لأن الحروب تهدم وتخرب أكثر مما تبني، فهي تخرب البلدان
والأخلاق والصحة. أمّا الذين يبنون بلدانهم بعد الحرب فهؤلاء هم الأمناء
الرحماء الباحثين عن السلام، وأكثر من ذلك فنحن لا نعيش في هذه الدنيا وحسب،
بل حياتنا مستمرة إلى ما بعد الموت، حيث تكون هناك مقاييس ومعايير مغايرة. إن
محبة الله ووداعة يسوع، ستشمل كل الرحماء والودعاء واللطفاء، أمّا الجبابرة
والأغنياء والمتمردون فسيكون مصيرهم جهنم. يسوع هو الوديع المثالي بين كل
الأنبياء، لذلك يتمتع بسلطان قوي يبيد به الدجال في آخر الزمان، وسيرث الأرض
كلها، وكل من يتبعه في وداعته سيقف إلى جانب المنتصر الذي لا يُقهر، لأنه
مطوب الودعاء والمعتني بهم.
سأل الشيخ أحمد البعمراني:
من هم الذين يجوعون إلى البر وكيف يشبعون، وما هوالبر المقصود في هذه الآية؟؟
أجاب ناجي فياض:
طوبى لكل متألم بسبب خطاياه ولا يجد سلاماً في قلبه، لأن يسوع المسيح أعد له
طعاماً، هوبر الله الذي سيكفيه ويسد حاجاته إلى الأبد. يريد الله القدير أن
يبرر الخطاة لأجل إيمانهم، لذلك مات يسوع عوضا عنهم، فمحبة الله أوجدت طريقة
ناجحة متمثلة في صلب المسيح العظيم، وهوالأمر الوحيد الذي يضمن بر الله
الكامل والأبدي .
سأل الشيخ محمد الفيلالي:
من يستطع أن يساعدني حتى أفهم قوله: “يشبع ولا يعطش أبداً”. هل يقصد المسيح
هنا الغذاء السماوي الذي أنزله الله عليه عن طريق المائدة؟؟
أجاب ناجي فياض:
كلا، لأن يسوع تكلم عن حمل الفصح المذبوح وعن الدم المرشوش على عتبة الأبواب
الذي نجَّاهم من غضب الله
-كما
رأينا من قبل عندما تحدثنا عن العبرانيين في مصر وما جرى لهم مع فرعون وقومه-
إذ كان يجب على العائلات أن تشوي الحمل المذبوح وتأكله مصحوباً بسُلطة وقوة
المذبوح وكفارته حتى يمتزج بداخلهم وأنسجتهم ويصبح جزءاً لا يتجزأ منهم.
يخبرنا المسيح يسوع في هذه الآية عن سلام الله وعن عطش القلب الذي لا يرويه
إلا يسوع بعد قبوله للكفَّارة والفداء.
استمر ناجي فياض في قراءة التطويبات:
“طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ
الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللّهَ. طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ،
لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللّهِ يُدْعَوْنَ. طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ
أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لَكُمْ
إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ
شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ
أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا
الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ”
(متى 5: 7-12).
أجاب الشيخ عبد السميع الوهراني بابتسامة:
قد سمعت من يَرحم يُـرحم ومن يرجوتجارة لن تبور عليه بالزكاة والصّدقة حتى
ينال أجراً مضاعفاً (انظر: سورة فاطر 35: 29-30).
أجاب القس فادي عبد المسيح:
لم يتكلم يسوع في هذه الآية عن الأعمال الصالحة التي تبرر الشخص، بل على عكس
ذلك، إذ بعدما يتبرر الأثيم مجاناً تغمره رحمة الله المجددة وتملأ قلبه إلى
أن يصير رحيماً ومباركاً، ليعين الآخرين المحتاجين لهذه الأمور. إن أعمال
رحمتنا لا تبررنا بل هي ثمر من ثمار تبريرنا الإلهي الذي نناله مجانا من
الرحمان الرحيم، وكل من لا يَرحم لن يُرحم وليس من أتباع يسوع المسيح ولا يمت
إليه بأية صلة، لأن المسيح يطوِّب الرحماء الذين يرحمون الجميع.
تكلم الشيخ عبد العليم الشرقاوي بصوت حزين وخافت:
من يستطيع القول أنه يملك قلباً طاهراً لا دنس ولا عيب فيه؟ فقلب كل واحد منا
لا يخلومن بقع سوداء تلطخه وتحجب عنه النور، مما يبعدنا عن معاينة الله عن
قرب والعيش معه.
أجاب ناجي فياض:
ما أعظم نعمة الله المقدمة للإنسان. فالله القدوس والمحب يريد أن يقترب منا
دائماً كي نعاينه عن قرب ونتغير إلى صورته، وكما قلت لا يوجد أي إنسان يستحق
هذا الامتياز العظيم باستثناء الإنسان الذي غُسِل بدم يسوع ابن الله الذي شفع
فينا وطهّرنا من كل إثم (يوحنا 1: 7) فنعمة الله هي هبة مجانية لكل المؤمنين،
بفضل ابنه المحبوب الذي يطوب أنقياء القلب والراغبين في تنقيته.
قال الشيخ أحمد البعمراني بكل تركيز وتمعن:
كل من يريد أن يساير عدوين في نفس الوقت تحل عليه الضربات من كلتا الجهتين.
لماذا يلقب عيسى صانعي السلام بأبناء الله؟؟
أجاب القس فادي عبد المسيح:
يريد الله أن يتصالح مع خليقته التي ارتدت وابتعدت عنه، فأصبح الإنسان بعيداً
عنه، وبعد أن أخذ الإنسان موقف العصيان للأوامر الإلهية، عدَّ الله طريقاً كي
يزيل ذلك الحاجز الذي يعيق الإنسان من الاتصال به وذلك بفضل إنجيله الذي ينشئ
سلاماً على الأرض. لقد أسّسَ يسوع سلاماً بين الله والناس وضحى من أجل هذا
السلام، وهذا من الأسباب التي جعلت يسوع الملقب بابن الله صانع سلام، وكل من
يتعقب أثره في هذه الخدمة يقاسمه هذا اللقب وهذه الصفة.
قال التاجر البشير الدمشقي:
لماذا يُطَوِّب الإنجيل المضطهدين والمطرودين لأجل البر، أرى أنّ هؤلاء
المساكين قد تخلوا عن بيوتهم وممتلكاتهم لأنهم فكروا بخلاف الآخرين ولم يكن
قرارهم صائباً.
أجاب ناجي فياض:
ما هو الأهم: رِضى الله أو مدح الجماهير؟؟ هل محبة الله وطاعته أم الانجراف
وراء تيار الجماهير؟؟ كل من يسبح ضد التيار أي ضد الفكر الدنيوي ومن يمثلوه
يكون الله قد ألهمه فكراً جديداً، ومنحه رؤية لا يوافقه أحد عليها مهما كان
توجهه.
قال الشيخ متولي صابر:
حتى أسرتك ستعارضك معارضةً شديدةً إن قدمت لها صورة مخالفة عما تعتقده عن
الله أو عن المستقبل، فلن يتحملوك إذا وضعت شرفهم وتقواهم موضع سُؤال
أوشَكٍّ.
أجاب القس فادي عبد المسيح:
كل من يتألم من أجل يسوع يطوبه، لأنه قد برهن باحتماله هذا أنه يحب الله
ومسيحه أكثر من الذهب والشرف، ويكون قد تغلب على إغراءات إبليس ووساوسه، التي
يبثها بين الحين والآخر في قلوب أعداء يسوع كي يتهموا أتباعه بكل الشرور. لكن
المسيح قد عَلِم هذا من قبل وعزَّى
أتباعه بقوله
“لا تضطربوا ولا تحزنوا من الأكاذيب التي يبثها المعارضون ضدكم بل افرحوا
وتهللوا وابتهجوا بهذا لأنكم ستشتركون في حمل عار الله”.
قال الشيخ عبد السميع الوهراني:
توجد في الإنجيل مكافأة عظيمة لكل المضطهدين في سبيل المسيح، إن كل من يتبع
عيسى ويتعذب من أجله يسعى لتجارة رابحة لن تبور، وهذا لا يقتصر على محبة الله
فقط بل محبة الذات والمباهاة في الوقت نفسه.
أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
لا تستهزئ، هل تجد شرفاً إن أُلْصِقَتْ بك التُّـهم،
وقيل
أنك لص، وصُنِّفت ضمن النجسين غير المرغوب فيهم، ثم تلقيت نتيجة ذلك ضربات
موجعة يتلوها تعذيب بالكهرباء، والتفنن في استخدام طرق جديدة، وذلك نتيجة
ادعاء باطل؟ ليس هناك أي شخص يسعى إلى العذاب حتى يفوز بتجارة، فثمن البر
أغلى من الدَّراهم المعدودة التي يمكن جنيها من الآلام والعذاب الشاق والنيل
من الشرف والمهانة.
قال القس فادي عبد المسيح:
إن أحب أحدكم يسوع وشكره لأجل فدائه وآلامه، ثم شارك هذا الخبر السار أهله في
البيت أو في المسجد، فلا يستغرب إذا تعرض للاضطهاد والضرب، وأعدوا له من
القوة
والمهانة ما استطاعوا. هكذا صار مع الأنبياء من قبل، إذ طُردوا من ديارهم
والتجأوا إلى الجبال والأودية. أمّا يسوع فقد عزَّاهم وطوَّبهم وأكد لهم أن
جوعهم، ودموعهم، وآلامهم، محسوبة ومقدرة عند الله أبيهم السماوي، الذي
ينتظرهم وذراعاه مفتوحتان إليهم كي يحتضنهم ويخفف عنهم.
|