إنجيل واحد أم أربعة؟
أخبر المشرفة على المكتبة عن هدف مجيئه إلى العاصمة، ورغبته الملحة في اقتناء
بعض الكتب المسيحية.
ابتسمت السيدة التي تبيع الكتب، وقالت:
يمكنني أن أقدم لكم إنجيل متى،مرقس، لوقا ويوحنا في أشكاله المختلفة. لدي نسخ
عادية، وأخرى رفيعة ومزخرفة؟
أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
شكراً جزيلا، لم أكن أعرف أنّ هناك أناجيل متعددة. لا يهمني العدد، بقدر ما
يهمني أن أحصل على الإنجيل الوحيد الذي استودعه الله بين يدي عيسى وأتباعه،
ولا أبغي غيره.
التفتت البائعة يميناً ويساراً، جالت بنظرها باحثة عن مديرها الذي كان
يراقبهما من بعيد، إذ لاحظ حيرتها واستغرابها، فأقبل مسرع الخطوات، راغباً في
تحقيق طلب الزبون.
فقال المسؤول بولس حنا:
تعرفان جيداً أن محمداً في بداية دعوته كان أمِّـيـاً (الأعراف 7: 158-159)
وقد ساعده عدد من الكتبة لتدوين ونسْخ آيات من القرآن الكريم؛ مثل عبد الله
ابن مسعود، وأُبي ابن كعب، وعبد الله الحضرمي، والزبير ابن العوام وآخرون.
وبنفس الطريقة -تقريبا- كتب إنجيل يسوع المسيح.
سأل الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
ألم يكن عيسى ابن مريم يعرف القراءة والكتابة؟ فالقرآن يخبرنا بأنّ الله
شخصيا علّمه كل الكتب السماوية.
أجاب بولس حنا:
كان يسوع يجيد العبرانية والأرامية قولا وكتابة؛ كما يظهر في عدّة آيات من
الإنجيل، وبشكل واضح في (لوقا 4: 16–20)
هو لم يأت إلى الدنيا حتى يكتب أويؤلف كتاباً، لأنه هونفسه كلمة الله
المتجسّدة (يوحنا 1: 14) فحياته وإيمانه وأقواله هي الإنجيل.
أضاف الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
نعتمد في الاسلام على سُنَّة النبي محمد كالمصدر الثاني من مصادر الشريعة
الاسلامية، حيث نقتفي أثره الذي يعتبر جزءاً من الصراط المستقيم.
أجاب بولس حنا:
عندنا ما يشبه ذلك، تجد ان حياة يسوع المسيح هي الإنجيل. لوسمحت لي يمكنني أن
أقرأ لك بعض النصوص التي كتبها الطبيب اليوناني لوقا في افتتاحية انجيله.
فتح المسؤول انجيل لوقا وسلَّمه إلى الشيخ عبد العليم الشرقاوي، الذي قرأ هذه
الآيات بلمح البصر:
“إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ
الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا
مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ، رَأَيْتُ أَنَا
أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ،
أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ،
لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ”
(انجيل لوقا 1: 1-4).
قال الشيخ عبد العليم الشرقاوي بعد قراءته للآيات:
من هذه الكلمات، أفهم أنّ الإنجيل، هواجتهاد تلاميذ عيسى ابن مريم، الذين
دوَّنوا كل أعماله، وكلماته، وكل ما صدر منه، فالإنجيل حسب البشير لوقا،
هوعمل إنساني، وليس وحياً إلهياً؟؟
ابتسم بولس حنا، وقال:
على رِسْـلِكَ، أخطأتَ في الإجابة، فالوحي الإلهي في المسيحية ليس كتاباً بل
شخصاً. يسوع هو ذاته الإنجيل، لأنّ كل كلمة نطق بها، وكل عمل قام به، هووحي
خالص. فكل ما كتبه كُـتَّـاب الوحي المتعددين، ليس إلا وحياً حقيقياً بشهادة
شهود عيان.
سأل الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
من هم البشيرون الأربعة؟؟
أجاب بولس حنا:
كان متى حوارياً من حواريي يسوع، اشتغل من قبل كجابي للضرائب، وكان يتقن عدة
لغات. هوالذي جمع أقوال يسوع في خمسة أقسام، ورتّبها حسب المضمون أوالموضوع
وألَّـف منها إنجيله.
أمّا مرقس فكان ابن العائلة التي كان يسوع المسيح وتلاميذه يبيتون عندها كلما
نزلوا في القدس. بعد ذلك رافق البشير مرقس الرسول بولس وبرنابا، فقدّم
المساعدة لبطرس، الذي أملى عليه كل ما جرى له مع يسوع أثناء حياته على الأرض.
كان لوقا طبيباً يونانياً، وقد سافر بناءً على طلب أحد الموظفين الرومانيين،
ذوي المناصب العالية، إلى فلسطين كي
يستخبر ويسأل الشهود الذين عاينوا
وعاصروا وصادقوا يسوع، وحفظوا منه التفاصيل المتعلّقة بحياته.
أمّا البشير يوحنا فقد كان أصغر حواريي يسوع، ذوتفكير ومشاعر صوفية، أدرك
بشكل أعمق -بالمقارنة مع الآخرين- كلام يسوع من خلال تأمّلاته المتعددة.
|