رَحمَة الله |
قال الشيخ عبد الله السفياني: استغربت عندما كنت أقرأ بعض الآيات القرآنية حين وجدت أنّ عيسى ابن مريم سمح لأنصاره أن يأكلوا بعض الأطعمة التي كانت محرّمة على بني إسرائيل: «وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي» (آل عمران 3 :50). «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ» (المائدة 5 :82). صرح الشيخ عبد السميع الوهراني: استهزأ المشركون واليهود من محمد استهزاءً لاذعاً، فقاتلوه بالمكر والخديعة، ونجد أيضاً بين النصارى من لا يحبون المسلمين، فكلهم سواسية باستثناء أتباع عيسى الحقيقيين، هنا يكشف الرسول عن الشعوب التي تحب المسلمين عن حق ومن هم الذين يتملقونهم وينافقونهم. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: نجد في القرآن أكثر من 20 اسماً ولقباً يتميّز به النصارى. نورد منها: الحواريون، الأنصار، أهل الإنجيل، المؤمنون، المسلمون... والعجب الكبير أنّ القرآن يعترف بأنّ أتباع المسيح وحدهم هم الذين نالوا ألقاباً فاخرةً ومواهب متميّزةً عن غيرهم، فقد غيّر المسيح عيسى ابن مريم أذهانهم وهذا التغيير من أعظم بيّنات المسيح. سأل الشيخ متولي صابر: لم أفهم قولكم، ما الذي غيّره عيسى في فكر وقلب أتباعه وشجّعهم على الاقتداء به؟؟ أجاب الشيخ أحمد البعمراني: جعل فيهم مودّة لكلّ الناس حتى تجاه أعدائهم، فيباركون لاعنيهم ويحسنون إلى مبغضيهم ومطارديهم. لقد غلب عيسى البغض وانتصر على الحقد الذي فيهم، لذلك نراهم أكثر مودّة من كل الرافضين للإسلام. سأل الشيخ عبد الله السفياني: كيف أصلح عيسى أتباعه عملياً، وكيف استطاع أن يغيّر الروح في طائفته؟؟ أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: كان بينهم رهبانا وقسيسون علّموهم وعاشوا معهم، فالرهبان نذروا نفوسهم للطاعة المطلقة لله تعالى، وعاهدوه أن يعيشوا فقراء قنوعين وغير متزوجين، لذا كانوا يصلّون نهاراً وليلاً مكرّسين أنفسهم لربهم.
تفرَّس الشيخ محمد الفيلالي في الجمع وقال: لا ينفعني الترهب، فالعيش في السُّحت والتقشُّف ليلاً نهاراً سيسبّب لي أمراضاً وعقداً نفسيةً. استمرّ الشيخ أحمد البعمراني في حديثه: بجانب الرهبان كان عند النصارى قسيسون تزوجوا وأنجبوا أولاداً «كزينة الحياة لهم»، فهم ليسوا أفضل من الآخرين حسب طبيعتهم الأصلية، لكن تابوا عن خطاياهم وتجددوا وتغيّروا بنعمته وسرّ هذا التجديد والتغيير في السلوك أنهم يعترفون بذنوبهم لربهم فينالون منه غفراناً مطلقاً وضميراً صالحاً ونقياً. تدخل الشيخ عبد السميع الوهراني: يظهر أنّ هذا النوع من الكفارة هو نعمة رخيصة الثمن لأنّه لا يتشبّث بها إلا الكُسالى الضُّعفاء، وأفضل طريقة لتبريرنا أن نقدّم أعمالنا وحسناتنا، غير أنّنا لسنا متأكدين إذا كانت هذه الحسنات ستنقذنا من عذاب السعير وتطهرنا من ذنوبنا وآثامنا، فموقف هؤلاء القساوسة غريب جدّاً. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: الأمر ليس بسيطاً مثل ما تعتقدون، لقد أزال عيسى من أتباعه العجرفة. إنهم لا يتكبّرون ولا يستكبرون، وبهذا التجديد انتصر على الخطيئة الأصلية وعلى الشيطان الذي عصى الله بكبريائه. أضاف الشيخ عبد الله السفياني: ليت هذا الإفتخار والمباهاة والحساسية تنتهي بيننا أيضاً ويعمّ عوضاً عنها التّفاهم والسّلام والثّقة المتبادلة. استمر الشيخ أحمد البعمراني قائلاً: عندما كنت أُدرّس الصبيان القرآن، صادفت آية دفعتني إلى التفكير والتساؤل باستمرار، وهي: «ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً» (الحديد 57: 27). قد راقب محمد النصارى ورأى أنّ بعضهم يحيا بطريقة مختلفة عن الآخرين، لأنّهم أحبّوا ربهم وكل البشرية. لذلك رغب في معرفة مصدر قوة هذه الصفة الإلهية التي تميّزوا بها، فاكتشف أنّ الله وضع الرّحمة والرّأفة في قلوب الذين يتأملون في إنجيل عيسى باستمرار. فقوّة النصارى تكمن في كتاب ابن مريم، الذي يتدبّرونه على الدوام. قاطعه الشيخ عبد السميع الوهراني قائلاً: توقّف عن تمجيد النصارى، إنهم ليسوا أفضل من الآخرين. هل نسيت الصليبيين الذين قتلوا خلال مئتي سنة أهل فلسطين. أين الرحمة والمحبة التي تتكلمون عنها منذ البداية؟؟ أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: لا تنس أن الصليبيين لم يأتوا من النصارى، بل أرسلهم البابا من روما. الكاثوليك هم الذين وحّدوا الدين والدولة في عقيدتهم، لذلك أرادوا استرجاع القدس التي فقدوها سنة 638م، فلم يشترك الأرثوذكس في حملات الصليبيين البتّة، ولم يكن الإنجيليون قد وجدوا بعدُ في ذلك الوقت، فهم ظهروا بعد أربعمئة سنة من الحملات الصليبية بواسطة المصلح لوثر. نرى من هذه الحقيقة التاريخية أنّ المسيحيين ليسوا كلهم صليبيين، إذ أخبرهم ربّهم أن كل من يأخذ بالسيف بالسيف يؤخذ. فهم تحت دينونة الرب مثل كل الذين يقاتلون ويسفكون الدماء. أضاف الشيخ أحمد البعمراني: توضح في ذهن محمد فكرة عن المسيحيين، خاصة بعدما أرسل ثمانين من المسلمين المضطهدين من مكة إلى الحبشة، حتى يطلبوا اللُّجوء لدى المسيحيين القاطنين هناك. فمنح النجاشي ( ملك الحبشة ) عونا للاَّجئين وأماناً، وحمايةً، بعدما امتحنهم أثناء مناظرة عامّة، فلم يستبعدهم بل أعطاهم حقّ البقاء والضيافة الدائمة... فمنذ ذلك الوقت عَلِم كل مسلم أن المسيحيين الحقيقيين يقدّمون العون للمسلمين إذا كانوا في خطر، أو حلّت بهم المصائب. قال الشيخ محمد الفيلالي: الآن فهمت قول الله لعيسى عندما قال له: «وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ» (آل عمران 3: 55). ألهم ابن مريم أتباعه فكراً جديداً، وأعطاهم روحاً من روحه، وربما نفخ عيسى قوته فيهم، حتى ينكروا أنفسهم ويكرموا الجميع، وهذا من أعظم بيناته. إنّ عيسى لم يبرئ المرضى ولم يقم الموتى فحسب، بل جعل المتكبرين يتواضعون، وغيّر قلوب الأنانيين إلى محبّين. فما أعظم قوته وسلطانه |
الجزء الأول: البحث بين طلاب الحق في النصوص القرآنية اللقاء الأول: مريم أم عيسى ابن مريم اللقاء الثاني: عيسى ابن مريم روح الله وكلمته اللقاء الثالث: علّم الله عيسى الكتب السماوية اللقاء الرابع: بيّنات عيسى المسيح وآياته اللقاء الخامس: أخلاق عيسى ابن مريم وصفاته اللقاء السادس: موت عيسى ابن مريم اللقاء السابع: بَعْث عيسى من بين الأموات ورفعه إلى الله |