رَحمَة الله |
أجاب الشيخ عبد السميع الوهراني: لا تنسوا أنّ هناك عبارة صغيرة في غاية الأهمية تقول: «شبّه لهم» فماذا تعني هذه العبارة المبهمة، هل هذا يعني أنّه خيّل لهم على الصليب، بينما هولم يكن فعلا على الصليب؟؟ أجاب الشيخ أحمد البعمراني: أثارت هذه الكلمة حفيظة الكثير من المفسرين، وكتبوا عنها كتبا لا تعدّ ولا تحصى، كتب أحدهم: «صار عيسى ضعيف الجسد نتيجة استنطاقه ومحاكمته، فتعذّر اثر ذلك حمل صليبه من المحكمة إلى المكان الذي سيصلب فيه، فأجبر الجند الروماني أحد الشباب الذي يُدعى «سمعان القيرواني» أن يحمل الصليب عوضاً عن عيسى، الذي كان ينزف دماً. وعندما وصل الجمع إلى مكان الصلب، قبضوا على «سمعان» عوضاً عن المسيح، وسمروه على الخشبة، لأنه كان يحمل الصليب، وظنوا أنّه هو الذي يجب صلبه، وتركوا عيسى ابن مريم طليقاً حراً»
أضاف التاجر البشير الدمشقي: عندما كنت في تركيا، سمعت قصّة غريبة. أخبرني بعض الأصوليين أن الله عادل، فألقى شبه عيسى على يهوذا الأسخريوطي، الذي خان عيسى بثمن بخس، ثم ألقى شبه يهوذا على المسيح، وكانت النتيجة أن تبادل الطرفان ملامحهما، فصلب الرومان يهوذا وتركوا عيسى يجول في الأرض حراً
وقف الشيخ عبد العليم الشرقاوي والعبوس يعلو وجهه: الآن فهمت لماذا لقّب الله نفسه في القرآن «بخير الماكرين»، فحسب الأحاديث المتعلقة بصلب عيسى، نجد أن الله مكر باليهود والنصارى، إذ ألقى شبه عيسى على «يهوذا الأسخريوطي» عندما دخل إلى الغرفة التي كان عيسى يصلّي فيها، ثم أُخرج عيسى من النافذة تاركاً يهوذا «الممسوخ» يواجه المصير لوحده. فالله هو الذي قام بهذا السيناريو من البداية حتى النهاية، دون أن يشرك معه أحداً إلاَّ المسيح. وبناء عليه فاليهود والنَّصارى لا يعرفون الحقيقة الكاملة... حقيقة عيسى، لكن هل الله فعلاً خير الماكرين؟ إن مثل هذه الأعمال يمكن أن تصدر عن الإنسان الشرير، ومن المستحيل أن تصدر عن الله العادل، الرؤوف، الرحيم، والمحب للجميع. فلا يعقل ان يُضِلَّ الله شعوباً ويخدعها، ويتركها متوهّمة أموراً أيقنت صحّتها وشهدتها بأعينها، فتوارثتها الأجيال بعد ذلك. آمن النصارى بصلب عيسى، لأنهم رأوه على الصليب بلحمه ودمه وصورته! هل يمكن للباري أن يُغيّر حقيقةً بعد ثلاث سنوات من ظهورها بين الناس ويقينهم بحدوثها؟؟ هل من المعقول أن يؤاخذ الباري شعوباً على عقيدة، كان له الفضل في تأسيسها وترسيخها وشيوعها بين الناس؟؟ إنها أسئلة متعددة وشائكة، تحير الألباب وتقشعر لها الأبدان!! أضاف الشيخ عبد العليم الشرقاوي: يشرح أحد العلماء كلمة «شبّه» بطريقة خاصة، إذ أثبت أنّ عيسى قد صلب حقًّا، وعلّق على الصليب متألّماً مضروباً، فاشتد غضب الله على الجميع حين عمّت ظلمة هائلة على المنطقة مثل كسوف الشمس، فهرب الجميع ومن بينهم تلاميذ عيسى الملقّبون بالحواريين إلى بيوتهم، خائفين مذعورين من غضب الله ولعنته الحالّة عليهم (متذكّرين غضب الله على المصريين وضرباته العشر) فارِّين من الأرواح التي تجول على الأرض بكل حرية. وحدثت أيضاً هزّة أرضية قوية، أدّت إلى انشقاق الستار المتواجد داخل الهيكل إلى شطرين، فهرب الحراس المكلفون بحراسة المسيح، والمشرفون على عملية الصّلب إلى مكان أمين، مما أدّى بالمسيح إلى النزول من على الصليب الذي كان معلّقاً عليه، والمضى في حال سبيله يتنقّل من هنا إلى هناك سائحاً أجاب الشيخ محمد الفيلالي: جهل وغباء، كيف يستطيع الشخص الذي سُمِّرت يداه ورجلاه بالمسامير، أن ينزل من على الصليب ويمشي أكثر من متر بسبب الجراح التي ألمت به والتي كانت بالغة الخطورة؟؟ كيف يعقل هذا القول الذي هو بمثابة خزعبلات وجزء من القصص الخرافية التي أكل الدهر عليها وشرب ؟؟ إنهم بهذه القصص يتوخون حجب الشمس بالغربال، ولكن هَيهَات ثم هَيهَات من بلوغهم ذلك قال الشيخ أحمد البعمراني: تعني كلمة: «شبّه لهم» أيضاً بأنّ عيسى ظهر لليهود مماثلاً وشبيهاً لهم، فليس هو الموجب للقصاص بل اليهود هم الذين كانوا مستحقين الصلب على يد الرومان لأنهم ظالمون، فصلب عيسى ظهرلهم كإشارة لذنوبهم وللقصاص الذي يتعقّبهم والحالّ بهم عاجلاً أم آجلاً قال الشيخ عبد العليم الشرقاوي: يدَّعي النصارى أن عيسى رفع ذنوب الرومان واليهود عندما عُلق على الصليب، إذ شفع فيهم وطلب غفراناً لآثامهم، وكان موته بمثابة موت نيابي أي نيابة عن الخطاة لأنه شبه لهم في القصاص والدينونة أضاف الشيخ عبد الله السفياني: سمعت قبل عدة سنوات في إحدى الإذاعات خطابا مثيراً من الرئيس المصري جمال عبد الناصر. كان رداًّ على بابا الكاثوليك آنذاك، يوحنا 23، الذي حاول أن يبرئ اليهود من صلب عيسى. اغتاظ عبد الناصر من هذه التبرئة وألقى خطاباً مباشراً على شعبه عبر القنوات، قال فيه: «عرفت قصد البابا من هذا الخطاب، إنه يريد أن يخلي ذمة اليهود المتواجدين في إسرائيل من ذنبهم، ومسح أيديهم من دم عيسى الذي صلبوه، نحن لا نشاطره هذا الرأي، ولن نوافق على هذا التأويل أو التحايل على التاريخ الشاهد على عملهم الفظيع، فكلنا يعلم من صلب عيسى ابن مريم، اليهود هم الذين صلبوه وليس أحد غيرهم» فخطاب الرئيس جمال عبد الناصر نزل على الناس كقنبلة نووية. أما الطامة الكبرى هي أنّه لم يجرؤ أحد على معارضة رأيه، لأن الكل يعلم بأنّه على حق. فالحق يَعلو ولا يُعلى عليه أجاب الشيخ أحمد البعمراني: كان آنذاك على علماء الأزهر وعلى الفقهاء، سواء في «القيروان بتونس» أو في «القرويين بفاس» أو في «الشام» أو في «قم» أن يعارضوا كلام الرئيس ضمن أجل لا يتعدّى شهراً واحداً، ويأتوا بأدلّة تثبت خطأ جمال عبد الناصر، وإلا أصبح كلامه حقاًّ يوجب الأخذ به من قبل الجميع. وتوالت الأيام دون أن يتقدّم أي واحد من العلماء أو الفقهاء بفتح فاه ودحض ما تفوّه به جمال عبد الناصر، وهذا الإحجام ناتج إما عن خوفهم من انتقام الرئيس منهم، أو اعترافهم ضمنياً وبالإجماع، لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، كما جاء في الحديث النبوي قال الشيخ متولي صابر: يظهر لي أنّ هذه الأخبار كلها مبهمة وغير واضحة كلياً. إنها كالأساطير والخرافات المزدهرة في كل المجتمعات. فلا تعرف ماذا حدث في حق عيسى، ولا كيف وأين مات؟؟ كلها أسئلة تبقى مبهمة غير واضحة. لكن عندي طريق واحد كي أبدّد هذا الظلام، وهو مسألة بعض العارفـيـن بأمور الدين من بني يعقوب في بلادنا، كي يقولوا لي «ماذا يعرفون عن صلب عيسى؟؟»، فالمشكلة غير محصورة بين المسلمين والنصارى، بل اليهود أيضاً هم طرف في هذه المشكلة العويصة أجاب الشيخ عبد السميع الشرقاوي: سألت في إحدى المرات أحد الحاخامات المتواجد بيننا عن رأيه في صلب عيسى ابن مريم، أجابني بكلمتين مختصرتين: «خطأ شرعي» فتركته مُكرهاً على أمري، لأنّه لم يشف غليلي للمعرفة، ولم يرغب في الإفادة بشكل أوسع. أراد تجنّب الموضوع قدرالإمكان، إما إنكاراً للحقيقة التاريخية المعروفة عند الجميع، أو شعوراً بالخزي والعار مما فعله أجداده من قبل. وهذا دفعه إلى القول بأنّه خطأ شرعي، أو بمعنى آخر سوء اتخاذ القرار الصحيح وتنفيذه. |
الجزء الأول: البحث بين طلاب الحق في النصوص القرآنية اللقاء الأول: مريم أم عيسى ابن مريم اللقاء الثاني: عيسى ابن مريم روح الله وكلمته اللقاء الثالث: علّم الله عيسى الكتب السماوية اللقاء الرابع: بيّنات عيسى المسيح وآياته اللقاء الخامس: أخلاق عيسى ابن مريم وصفاته اللقاء السادس: موت عيسى ابن مريم اللقاء السابع: بَعْث عيسى من بين الأموات ورفعه إلى الله |