رَحمَة الله |
ذكر الشيخ متولي صابر: اعترف عيسى بعد ولادته مباشرة بأنّه صاحب السلام، إذ نجد في القرآن: «وَالسّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» (مريم 19 :33). فالطفل المولود حديثاً وَصف بجملة واحدة سيرة حياته، إنها بلاغة مميزة. أوضح الشيخ أحمد البعمراني: قصد عيسى بشهادته أن يوضّح بأنّ ولادته من مريم العذراء كانت ولادة شرعية ومنسجمة مع إرادة الله، فسلام الرحمان خيّم على الاثنين. لقد تمت هذه الولادة حسب إرادة الله، ولم تكن مريم بغياً بل أمة ربها، وتجسّد في ابنها روح الله، لذلك عمّ سلام الله على دنيانا، ليس فقط لوقت محدّد أو معيّن بل على الدوام. برر عيسى أمّه وأبعد عنها التّهم الموجّهة إليها بهذه الشهادة المبنية على كلمة: «السلام عليَّ». قال الشيخ محمد الفيلالي: أليست كلمة «الإسلام» مشتقّة من السَّلام؟ إن كل مسلم مدعو أن يكون من صانعي السَّلام، وقد تحقّق هذا المبدأ في عيسى، لأنّه لم يشترك ولا مرّة في غزو أو حرب، لم يدع أتباعه ولا مرّة واحدة للقتال أو البطش، إنه رئيس السَّلام والمسلم الفريد الذي يصنع السَّلام.
حرَّك الشيخ عبد السميع الوهراني شفتيه متمتماً بصوت خافت ثم قال: إنكم تتوهّمون وتحجبون الشمس بالغربال. اقرأوا كتب التاريخ وشاهدوا التلفزيون كي تتيّقنوا كيف يقاتل النصارى بعضهم البعض وغيرهم من الأمم، إذ يعيثون في الأرض فساداً وإلى سفك دماء الملايين من الأبرياء. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: للأسف الحق معك، لكنّ الذنب لا يقع على عيسى إذا كان أتباعه لم يحفظوا وصاياه ولم يلتزموا بأوامره.لم يقصد عيسى إنشاء مملكة سياسية ذات حدود جغرافية على هذه الأرض، بل رغب في تكوين مملكة روحية شاملة، لذلك أوصى تلاميذه: «أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم». فأتى عيسى بصلح عظيم ووضع اللبنة الأساسية لهذا السلام الدائم، غير أنّ الأشرار لا يريدون السلام، ولا يسعون لتحقيقه. أضاف الشيخ أحمد البعمراني: لم يحث عيسى أتباعه على شراء الأسلحة الفتاكة، ولم يحرّضهم على القتال، وتعلّم فنون الحرب، وفتح البطون، وقتل الأبرياء العزّل، واغتصاب كل من يجدونه في طريقهم بدعوى الغنيمة، بل طلب منهم أن يغفروا دائماً ذنوب الذين أخطأوا إليهم كما غفر الله إليهم ذنوبهم من قبل. لهذا السبب احتمل المخلصون منهم الهوان والاستهزاء والضرب والجلد والرجم، لا لسبب إلا أنّ معلّمهم علّمهم وأمرهم أن ينكروا أنفسهم، ويصالحوا جميع الناس إن أمكن. لكن للأسف قليلون منهم يطيعون دعوته، ويعتبرون أنفسهم نصارى، غير أنّهم لا يمتّون إلى عيسى ولا إلى النصرانية بأية صلة، بل هو بريء منهم ومن نصرانيتهم. لخّص الشيخ عبد العليم الشرقاوي اللقاء قائلاً: إن روح الله جعل عيسى باراً بأمّه وبكلّ الناس، فعاش وديعاً متواضع القلب. لم يطلب الجلال والعزّة، بل أحبّ المساكين وجالسهم، شفى المرضى واهتم بحوارييه، وما كان ابن مريم طمّاعاً ولا حسوداً، لأنّه ولد بدون خطيئة أو دنس، ونال من الله السلطان والنصرة على الموت، ناشراً الحياة والسلام والطمأنينة. .فأثبت أنّه آية الله للناس، ومن يتبعه يصبح رحيماً ورؤوفاً، لأنّ رحمة الرحمان حلَّت فيه |
الجزء الأول: البحث بين طلاب الحق في النصوص القرآنية اللقاء الأول: مريم أم عيسى ابن مريم اللقاء الثاني: عيسى ابن مريم روح الله وكلمته اللقاء الثالث: علّم الله عيسى الكتب السماوية اللقاء الرابع: بيّنات عيسى المسيح وآياته اللقاء الخامس: أخلاق عيسى ابن مريم وصفاته اللقاء السادس: موت عيسى ابن مريم اللقاء السابع: بَعْث عيسى من بين الأموات ورفعه إلى الله |