رَحمَة الله

اللقاء الثالث: علّم الله عيسى الكتب السماوية

افتتح الشيخ أحمد البعمراني اللقاء، فقال:

عندما كنت أُدرِّس الصبيان القرآن في الكُتَّاب، أوقفتني آية من سورة «المائدة» أرغب أن أشاركها معكم:

«إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ...»   (المائدة 5 :110).

في هذه الآية يؤكّد الله لعيسى بعد ارتفاعه إليه، ما كان قد أعلنه جبريل لمريم قبل ولادة طفلها:

«وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ»    (آل عمران 3 : 48).

يبرز لنا هذا الوحي، أنّ الله علَّم عيسى شخصيًّا، فليس هناك إنسان آخر حصل على مثل هذا الامتياز.

سأل الشيخ محمد الفيلالي:

أرغب في معرفة الوقت الذي علَّم الله فيه عيسى هذه الكتب، هل قبل ولادته أم بعدها؟؟

أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي:

استقبل أهل القرية مريم بعدما جاءتهم بالرضيع حاملة إياه بين ذراعيها، حيث واجهوها بسيل هائل من الشتائم والصفات القبيحة الجارحة لكرامتها، وكانوا على أَهُبَّة الإستعداد للنيل منها ورجمها. عندئذ قاطعهم المولود ليدافع عن أمه ويرفع عنها التهم التي ألصقوها بها:

«قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ...»    (مريم 19: 30-31).

تثبت لنا هذه الآية أنّ المسيح عيسى كان حافظاً للكتاب عن ظهر قلب عند ولادته، ويمكن القول بأنّ الله قد علّمه قبل تجسّده أو بالأحرى قبل حلول روح الله فيه.

لاحظ الشيخ عبد الله السفياني:

ليس هذا الأمر بغريب، فعيسى هو بمثابة روح الله الذي أصبح إنساناً وعاد بعد حياته على الأرض إلى الخالق منبع ومصدر الحياة، كما نقرأ في آيات متعددة:

«وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ»   (الأنبياء 21: 91).

انظر أيضاً: (التحريم 66: 12 ومريم 19 : 33 والنساء 4: 171 وآل عمران 3: 55).

فلقّبه الله بـ: «آية للناس».

قال الشيخ عبد السميع الوهراني:

لا يهمنا متى علَّم الله عيسى الكتب هل قبل الولادة أم بعدها، لكن لا ننسى بأنّ الباري فرض عليه الصلاة والزكاة وإلاّ لأصبح من المشركين المغضوب عليهم، وهذا ما نجده في سورة مريم:

«وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا»   (مريم 19: 31).

قال الشيخ أحمد البعمراني:

أرسل الله عيسى إلى العالم حتى يثبت عصمة التوراة كما نقرأ:

«وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ»   (المائدة 5: 46).

فهذه الآية توافق ما جاء في سورة «آل عمران»، بأنّه جاهد وناضل ضد الكذب والرياء فأثبت صحة الوحي.

قال الشيخ عبد السميع الوهراني:

ليست توراة اليوم بالنسخة الصحيحة أو النسخة الأصلية أو الأصيلة، لأنّ اليهود حرّفوا كتابهم.

أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي:

أصبت نوعاً ما، نجد في القرآن -وفي أماكن مختلفة- أنّه يطلب من اليهود أن لا يكتموا الحق: (البقرة 2: 42 والبقرة2: 146 وآل عمران 3: 71).

نقرأ أيضاً أنّهم كانوا ينطقون ببعض الحركات بطريقة ملتوية وغير صحيحة، لكن المهم أنّه ليس كلّ بني إسرائيل مخادعين، لأنّ القرآن استثنى البعض منهم قائلاً:

«كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ»   (البقرة 2: 75، 146 والنساء 4: 46).

«وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»   (آل عمران 3: 78).

لم تحرّف الأغلبية من اليهود التوراة، بل قلّة وشرذمة منهم هي التي غيّرت بعض الكلمات أثناء تجويدها. لم يتجرّأ الأتقياء منهم أن يحرّفوا الوحي المكتوب نظراً للعقاب الذي ينتظرهم:

«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»   (الحجر 15: 9).

سأل الشيخ متولي صابر:

جاء عيسى ليصدق ما بين يديه من التوراة، فما هي الآيات التي أثبتها وصادق عليها؟؟

أجاب الشيخ أحمد البعمراني:

يجد القارئ في التوراة قصصاً وأخباراً متعددةً عن الخلق من آدم وحواء إلى نوح والطوفان، من إبراهيم وإسماعيل، من موسى وهارون أخوي مريم. ونقرأ أيضاً عن داود وسليمان ويونس وأنبياء آخرين.

أضاف الشيخ عبد السميع الوهراني:

أهم موضوع في التوراة يتمثّل في حكم الله على بني اسرائيل من خلال شريعة موسى، حيث نجد في القرآن:

«وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ»   (المائدة 5: 43).

علّم الله الشعب المتمرد الوصايا العشر، وأتاهم بقوانين العقوبات، وهذا نجده أيضاً في قوله:

«وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنفَ بِالأنفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُون»    (المائدة 5: 45).

فهذه الفرائض وغيرها قد أثبتها المسيح عيسى عند مجيئه، انظر: (المائدة 5: 46 وآل عمران 3: 50).

قال الشيخ أحمد البعمراني:

نجد في القرآن 16 مرة أنّ الله أخذ من أنبياء بني إسرائيل مواثيق متعدّدة: (البقرة 2: 27، 63-66، 83-85، 92 وآل عمران 3: 81-82، 187 والنساء 4: 154-155 والمائدة 5: 12- 13،70 والأعراف 7: 169 والرعد 13: 25 والأحزاب 33: 7) حيث أثبت المسيح عيسى هذه العهود والمواثيق الإلهية:

«وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ...»   (المائدة 5: 14).

«وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا»    (الأحزاب 33: 7).

وأكمل ابن مريم كمشرع لشريعة موسى، لأنّه أحلّ لأتباعه بعض الذي حرّم عليهم، وهذا حسب قوله:

«وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ...»  (آل عمران 3: 50).

قال الشيخ عبد الله السفياني:

قرأت في المصحف: «إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ  شُهَدَاءَ»    (المائدة 5: 44).

هل هذه الآية تعني أنّ كلّ الذين يؤمنون بالتوراة ويحفظونها ويعرفون ما فيها سيكون لهم الفردوس، وهل يعيش كل أهل الكتاب في هدى الله؟؟

اغتاظ الشيخ عبد السميع الوهراني وقال:

يظهر أنّ اليهود قسَّموا التوراة إلى فقرات حتى تسهل عليهم قراءتها وتجويدها بانتظام:

«الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ»

                                                                         (البقرة 2: 121).

فقلوبهم كانت قاسية، استهزأوا برسل الله، وكذبوهم وقتلوا البعض منهم، فنـزل عليهم غضب الله الذي يستحقونه، فورد في القرآن:

«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ»                                        (البقرة 2: 87).

قارن أيضاً (البقرة 2: 61،91 وآل عمران 3: 21، 112، 181، 183 والنساء 4: 155-157 والمائدة 5: 70).

تدخّل الشيخ عبد العليم الشرقاوي ليهدّئ الغاضب، فقال:

الحق معك، إنما الله أمر العصاة مراراً أن يتوبوا، ودعاهم في قوله:

«قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ»  (المائدة 5: 68).

فكل الذين تابوا توبةً نصوحةً ورجعوا إلى ربهم، بُوركوا وأفلحوا، ولكن الذين لم يحفظوا شريعة موسى هم المغضوب عليهم.

قال الشيخ صابر متولي:

أنزلت التوراة أصلاً باللغة العبرانية، هذه اللغة التي لا يستطيع أي إنسان أن يتقنها إلا بنو إسرائيل لأنّها لغتهم الأم، وهذه خسارة كبرى لكل طلاب الحق الراغبين في المعرفة الكاملة.

أجاب الشيخ أحمد البعمراني:

ليس كذلك، بل نجد اليوم بأنّ التوراة مترجمةً إلى كلّ لغات العالم الرئيسية. فهي تحتوي على 39 سفراّ وتسمّى بـ «الكتاب المقدس» (العهد القديم)، وكل من يريد أن يقتنيها يمكنه ذلك من خلال المكتبات المحترمة التي تزخر بها.

ابتسم الشيخ عبد العليم الشرقاوي وقال:

إنّ الله العظيم أعطى لعيسى الإنجيل لأنّ التوراة لم تحو الحقّ كلّه، وهذا واضح من خلال قوله:

«وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»    (المائدة 5: 46-47).

قال الشيخ عبد الله السفياني:

إذاً، المصحف لا يدعو بني إسرائيل «أهل الهدى والنور» فحسب بل النصارى أيضاً، فهم ليسوا بكفار لأنّ في زمن عيسى لم يكن القرآن قد وجد بعد.

قال الشيخ عبد السميع الوهراني متهكما:

كلّ الكتب السماوية صالحة، غير أنّ دارسيها هم الفاسدون، اسمع ما تقوله سورة «المائدة»:

«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ»      (المائدة 5: 65- 66).

أجاب الشيخ أحمد البعمراني:

مهما يكن الأمر، فالإنجيل الذي أنزله الله على المسيح عيسى هو وحي سماوي يحتوي على الحق، وممتلئ بآيات الله الواضحة، وكلّ رافض لهذا الوحي هو منكر لله، مصدر الإنجيل والوحي.

أجاب الشيخ عبد السميع الوهراني:

أتظن أنّ الإنجيل أفضل من التوراة والقرآن؟؟ بماذا يتميّز عنهما حتى يكون أحسن منهما؟؟ نحن المسلمون نسلك في النور ولا نحتاج إلى إنارة أخرى.

أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي:

يخبرنا القرآن بأنّ الإنجيل يظهر نعمة الله العظيمة وفضله على بني البشر من خلال المسيح، إذ نقرأ:

«إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَتُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ»   (المائدة 5: 110).

قال الشيخ محمد الفيلالي:

ما أعظم محبّة المسيح، إنّه لم يُهمل الأكمه ولم يخش البَرَص …بل شفى كل من أقبل إليه، وأقام أمواتاً من قبورهم وأنزلهم من نعوشهم، فلم يعن الأغنياء أو الأصحّاء أو الأقوياء فقط، بل بحث عن المساكين والبؤساء المعذبين على الأرض ونجّاهم. يا ليته يكون بيننا اليوم حتى يشفينا وينتشلنا من يأسنا ويشفق علينا ويريحنا من الأمراض.

تهجّم الشيخ عبد السميع الوهراني وقال:

اصحوا وتعقّلوا، لم يستطع عيسى أن يقوم بأي معجزة من تلقاء نفسه، نجد في الآية تكرار قوله «بإذني» مراراً، فالله هو القدير الذي أعان المسيح الضعيف بجبرائيل الذي أيّده في تحقيق هذه المعجزات.

تدخّل الشيخ متولي صابر:

هل تقصد من خلال قولك هذا أنّ الله والروح القدس وعيسى المسيح تعاونوا معاً حتى يقوموا بآيات ومعجزات؟؟ وهل هذا يعني أنّ الثلاثـة اندمجوا في عمل مشترك واحد فاتّحدوا ليتغلّبوا على ضيقات العالم؟؟

 

أخذ الشيخ عبد السميع الوهراني يتمتم ويقول:

حاشا، أعوذ بالله من غضب الله.

تدّخل الشيخ عبد العليم الشرقاوي وقال:

صدقت القول، الله والروح القدس وعيسى كل منهم ممتلئ بالرحمة والرأفة والحنان، وعليه يقول الرحمان إلى ابن مريم بأنّه آية للناس ورحمة منا:

«وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا»   (مريم 19: 21).

أضاف الشيخ أحمد البعمراني:

لم يقم عيسى المسيح بعجائب وآيات فحسب، بل علَّم تلاميذه والشعب شريعة الله، فقد تكلم في المهد وكهلا، فأعلن لهم الهدف والنور لأنّ في كلامه القوة والبرهان.

سأل الشيخ عبد الله السفياني متلهّفاً:

قرأت بأن المسيح عيسى ألقى موعظة خاصة للأتقياء، من أين يمكنني أن أشتري الإنجيل حتى أستطيع قراءتها.

تدخل الشيخ عبد السميع الوهراني:

أعوذ بالله،اللهم اهده، ألم يخبرك أحد من قبل أنّ هذا الإنجيل الذي ترغب في الحصول عليه محرف مثل التوراة؟؟ لا يليق بك الحصول عليه ولا حتى لمسه لأنّه يدعو إلى الكفر والضلال، بينما القرآن يدعو إلى الهداية والحق.

أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي:

على مهلك، إنّ ما تفوهت به الآن ليس صحيحاً، إذ لا تجد في القرآن أية آية تخبرنا بأنّ النصارى حرفوا الإنجيل، باستثناء أنّهم نسوا بعض النصوص، ولكن لم يحرفوا منه ولا آية، تـقرأ في القرآن:

«وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِه»     (المائدة 5 :14).

المسيحيون لا يكذبون ولا يحرفون الكتب، إنّهم أقرب للمسلمين وأكثرهم مودة لهم.

تدخل الشيخ عبد السميع الوهراني:

أيها الخطيب الحبيب، أشْـتَمُّ في تدخلاتك وفي حديثك انحيازاً صارخاً وفاضحاً ومبالغاً فيه إلى الإنجيل وإلى المسيحيين!!

احمر وجه الشيخ عبد العليم الشرقاوي، ثم ابتسم وقال:

كما أخبرنا معلم القرآن في بداية اللقاء بأنّه سيقوم بدراسة وتحليل عقلي أكثر مما هو تسليمي عاطفي. لقد أخذت عهداً على نفسي - عندما رأيت الحلم - أن أقوم بدراسة جادة حتى أكتشف سر هذه الرؤيا وسبب ظهورها في هذا الوقت بالتحديد. فهذا هو السبب الرئيسي في كون تدخلاتي مغايرة بعض الشيء عن الآخرين... وأشكرك كثيراً على ملاحظتك وعلى غيرتك على الإسلام، لكن مثل هذه الأمور لا يجب أن تؤثر عليك وتجعلك متعصباً تُعرِض عن الأمور البديهية والواضحة مثل الشمس.

سأل الشيخ محمد الفيلالي:

لماذا نقرأ في سورة «آل عمران» بأنّ أتباع عيسى هم الفائزون، وبأنّهم أعلى درجة من الذين كفروا به، فيقول الوحي:

«وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»  (آل عمران 3: 55).

أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي:

يمتاز المسيحيون بصفات لا توجد عند الآخرين، حيث يمارسون الرأفة نحو الجميع ومع بعضهم البعض، وهذا حسب قول الآية:

«وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً...»   (الحديد 57: 27).

قد استطاع عيسى من خلال الإنجيل أن يفعل أمراً لم يقدر أحد من قبله أو من بعده أن يفعله، إذ غيَّر الأنانيين إلى محبين،وقساة القلوب إلى رحماء، فهذه هي الآية العظمى.

سأل الشيخ متولي صابر:

اشرحوا لي معنى قوله:

«وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ»     (آل عمران 3: 48).

فما هي الكتب التي علمها الله لعيسى بجانب التوراة والإنجيل؟؟

أجاب الشيخ أحمد البعمراني:

لم يتفق العلماء في تفسير معنى «كتاب الحكمة» هل يعني حكمة سليمان أم حكمة اليونان، ولكن  عبارة «الكتاب» تدل على اللوح المحفوظ، الكتاب الذي يحتوي بين دَفَّتيْه على كل الكتب السماوية التي أُنزل أجزاء منها على الأنبياء، وهذا الكتاب - الأصيل - يحتوي على أعمال الناس، كما يحتوي على الحوادث الصغيرة والكبيرة المستقبلية المقدرة من عند الله.

قاطعه الشيخ عبد الله السفياني قائلاً:

هل عرف عيسى كل الأسرار والأخبار المتعلقة بالماضي والمستقبل لأنّ الله علَّمه كل الكتاب وليس جزءاً منه فقط؟؟

أجاب الشيخ عبد السميع الوهراني صارخا:

لا تُؤلِّهوا ابن مريم فليس هو العليم، فإنّ هذه الصفة مرتبطة بالله وحده عز وجل، أما عيسى فليس إلا عبد من عباد الله وتحت تصرفه وسلطته.

ابتسم الشيخ عبد العليم الشرقاوي وقال:

علَّم الله عيسى أكثر من غيره من الأنبياء سواء من قبله أو من بعده، وكان لهذا التعليم نتائج عملية، فعرف المسيح ما تعلنه وما تخفيه السرائر والأفـئـدة، وسيكشف بعد مجيئه الثاني الخطايا المخفية التي ارتكبها الخطاة حين لن يستثني أحداً، إذ نجد في قوله:

«وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنين»   (آل عمران 3: 49).

لا نستطيع أن نستر أي ذنب أمام الله وعيسى، فهما يعرفان كل أسرارنا، وخير لنا أن نستعد لمجيئه وندرس إنجيله حتى لا يُديننا ويحكم علينا بالعقاب حسب الآيات التي قرأناها معاً.

الصفحة الرئيسية

الافتتاحية: رؤيــا

الجزء الأول: البحث بين طلاب الحق في النصوص القرآنية

اللقاء الأول: مريم أم عيسى ابن مريم

اللقاء الثاني: عيسى ابن مريم روح الله وكلمته

اللقاء الثالث: علّم الله عيسى الكتب السماوية

اللقاء الرابع: بيّنات عيسى المسيح وآياته

التكلّم في المهد

خلق الطير

إبراء الأكمه والأبرص

إحياء الموتى

بصيرة نافذة ثاقبة

المائدة السماوية

مجدّد الأذهان

أم المعجزات

اللقاء الخامس: أخلاق عيسى ابن مريم وصفاته

بارُّ بأمه

وديع ومتواضع القلب

مشفق على المساكين

رحمة من الله

لا يتاجر بكلمة الله

غلامٌ زكيٌّ

أحيا الجميع

عزوبية عيسى

رجل السلام

اللقاء السادس: موت عيسى ابن مريم

وفاة عيسى ومكر الله

صلب عيسى

شُبِّه لهم

الفصح في التوراة

غضب الله على الجميع

الأعمال الحسنة والإنابة

اللقاء السابع: بَعْث عيسى من بين الأموات ورفعه إلى الله

رفع عيسى

وجيه في الدنيا والآخرة

تحقيق كفارة عيسى

شفاعة عيسى

عيسى بين البنوّة و الولادة - مجيء عيسى لثاني

الصفحة الرئيسية