رَحمَة الله |
أضاف الشيخ أحمد البعمراني: في إحدى المرات، عندما كنت أُلزم الصبيان في الكُتَّاب على حفظ سور من القرآن، أوقفتني آية من آياته تقول: «إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا» (مريم 19: 19). فتمنّيت أن أعرف أكثر عن المعاني المختلفة لكلمة «زكي» وخاصّة بالنسبة لعيسى، فبحثت في كتب التفسير ووجدت في كتاب العلامة «الطبري» أنّ «الزكي» يعني الطاهر من الذنوب، وأثبت البيضاوي هذا القول وأضاف: «طاهراً من الذنوب أو نامياً على الخير، ومترقياً من سن إلى سن على الخير والصلاح».
أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: علّق عدّة علماء في كتب متنوعة على هذا السؤال، قال أبو هريرة عن رسول الله: «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان إلاّ ابن مريم وأمه». وقال أيضاً أبو هريرة عن رسول الله: «كلّ بني آدم يطعنه الشيطان في جنبه بأصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعنه في الحجاب». قام الشيخ عبد السميع الوهراني ثائرا: هذا حديث جميل ومعقول، لكن ليس عيسى ابن مريم بالزكي الوحيد، فمحمد أيضاً من الصالحين المنعم عليهم، وهو قمّة الطهارة والإستقامة. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: إنّنا لم نقل عكس ذلك. أتى محمد بحضارة جديدة، وغيّر صورة العرب من الهمجية نحو النظام حسب قدرته. فسُنَّة النبي هي المصدر الثاني للشريعة، وكل من لا يقتدي بسُنَّته وأعماله يكون قد خالف شريعته، وتخلّى عن مصدر مهمّ من مصادر الشريعة الإسلامية، وبالتالي يكون من الكافرين. لكن لا ننسى أنّ الله فرض على محمد أن يستغفر أربع مرات، وذلك حتى يمحو خطاياه. إذ نقرأ في القرآن: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ» (محمد 47: 19). ونقرأ أيضاً في القرآن: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ» (غافر 40: 55). «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ» (الفتح 48: 1-2). «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا» ( النصر 110 : 3). كلّ من يقرأ هذه الآيات بتمعّن، يدرك أنّ محمداً أصبح من الصالحين بعدما غفر له الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. بينما كان عيسى ابن مريم صالحاً منذ ولادته، ولم يكن في حاجة إلى مغفرة لخطاياه، إذ عاش بدون خطية لأنّ روح الله كان حالاًّ في جسده. أضاف الشيخ أحمد البعمراني: لقد قرأت تفسيراً غريباً عند «القيساني» في شرحه لنصوص الحكم: «الله خاصّة طهّر جسم عيسى من الأقذار الطبيعية، فهو روح متجسّد في بطن مثالي روحاني... ونزّه روحه وقدّسه من التأثر بالهيئات الطبيعية والصفات البدنية، لتأييده بالروح القدس الذي هو على صورته». قال الشيخ محمد الفيلالي:\ نجد في القرآن إثباتات أخرى لتحرّر عيسى من الذنوب، لقد رفعه الله إلى نفسه، ولو أخطأ عيسى ابن مريم لبقي في البرزخ كسائر الأنبياء ينتظر يوم الحساب. إن الله رفعه إليه لأنّه لم يجد فيه آثاماً أو نجاسةً أو مانعاً لتقريبه إلى ذاته (آل عمران 3: 55 والنساء 4: 158). |
الجزء الأول: البحث بين طلاب الحق في النصوص القرآنية اللقاء الأول: مريم أم عيسى ابن مريم اللقاء الثاني: عيسى ابن مريم روح الله وكلمته اللقاء الثالث: علّم الله عيسى الكتب السماوية اللقاء الرابع: بيّنات عيسى المسيح وآياته اللقاء الخامس: أخلاق عيسى ابن مريم وصفاته اللقاء السادس: موت عيسى ابن مريم اللقاء السابع: بَعْث عيسى من بين الأموات ورفعه إلى الله |